هل سمعتَ يومًا عن النبي الذي بنى سفينة ضخمة وسط الصحراء، وجمَعَ فيها من كل زوجين اثنين من الحيوانات؟ هل سمعتَ عن الطوفان العظيم الذي غمر الأرض؟
هذه قصة نبي الله نوح عليه السلام، واحدة من أعظم قصص الأنبياء، مليئة بالصبر، الدعوة، والأحداث العجيبة التي لا تُنسى.
من هو سيدنا نوح؟
سيدنا نوح عليه السلام هو نبي كريم، بعثه الله تعالى بعد سنوات طويلة من خلق آدم عليه السلام،وابناءه قابيل وهابيل وسيدنا ادريس عليه السلام وقد أرسله الله إلى قوم كانوا قد نسوا عبادة الله، وبدأوا يعبدون الأصنام التي صنعوها بأيديهم.
كان قومه يعبدون أصنامًا بأسماء مثل: ودّ، سواع، يغوث، يعوق، نسر، وكانوا يظنون أن هذه الأصنام تقرّبهم إلى الله، لكن الحقيقة أنهم ضلّوا الطريق ، وهنا، بدأ سيدنا نوح عليه السلام مهمته العظيمة: دعوة الناس إلى التوحيد، وعبادة الله وحده لا شريك له.
دعوة سيدنا نوح لقومه
وقف نوح عليه السلام أمام قومه وقال لهم بصوت هادئ ومليء بالحكمة:"يا قومي، اعبدوا الله، ما لكم من إله غيره، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم."
لكنه لم يدعهم مرة واحدة فقط، بل دعاهم ليلًا ونهارًا، سرًا وعلانية، استخدم كل الطرق الجميلة التي تُلين القلوب، لكن قومه كانوا عنيدين، متكبرين.
كانوا يضحكون عليه ويقولون:"ما نراك إلا بشرًا مثلنا! لماذا نترك ما كان يعبده آباؤنا؟!"
ووصل الأمر بهم أنهم وضعوا أصابعهم في آذانهم، حتى لا يسمعوا كلامه، ووضعوا على رؤوسهم الثياب، حتى لا يروه!
تخيّل، أكثر من ٩٥٠ سنة وهو يدعوهم، ومع ذلك لم يؤمن معه إلا عدد قليل جدًا من الناس، ربما أقل من مئة شخص.
سيدنا نوح يدعو الله
بعد صبر طويل، وأذى كبير، توجّه سيدنا نوح عليه السلام إلى الله يدعو بدعاء مؤلم:
"رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا"(سورة نوح)
وقال في النهاية:"ربِّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارًا."عندها، أمره الله تعالى أن يستعد لأمر عظيم
السفينة العجيبة
أوحى الله إلى نبيه نوح أن يبني سفينة ضخمة، لأن عذاب الله سيأتي على شكل طوفان يغمر الأرض ، بدأ نوح عليه السلام يصنع السفينة وسط الصحراء!وكان قومه يمرون به ويضحكون، يقولون:
"يا نوح، صرتَ نجارًا؟ أين البحر لتبحر فيه؟!" لكن سيدنا نوح لم يلتفت إليهم، لأنه كان يعلم أن الله أمره، والله لا يُخطئ ،وبعد أن انتهى من صنع السفينة، أمره الله أن يُدخل فيها من كل زوجين اثنين من الحيوانات والطيور:ذكر وأنثى من كل نوع، مع المؤمنين فقط.
الطوفان العظيم
بعد أن دخل نوح ومن معه السفينة، بدأت علامات الطوفان تظهر:
قال الله تعالى: "فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ، وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا، فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ."(سورة القمر).
- تفجرت العيون من الأرض.
- نزل المطر من السماء بغزارة لم تشهدها الأرض من قبل.
- وامتلأت الأرض بالماء…
- حتى البيوت والأشجار والجبال… كل شيء غمره الماء.
قال الله تعالى: "فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ، وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا، فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ."(سورة القمر).
موقف حزين: ابنه لا يؤمن
كان لسيدنا نوح ابنٌ لم يؤمن به، وكان يظن أنه يستطيع النجاة ،عندما رأى الطوفان، قال له نوح:"يا بُني، اركب معنا ولا تكن مع الكافرين."
لكن الابن ردّ بتكبر:"سآوي إلى جبل يعصمني من الماء."
فقال نوح:"لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم."
وفجأة جاءت موجة عظيمة فغرق فيها الابن، وكان هذا المشهد من أصعب اللحظات في حياة سيدنا نوح.
النجاة والهبوط على الأرض
ظلّت السفينة تبحر فوق الماء أيامًا طويلة، حتى أمر الله الأرض أن تبلع ماءها، والسماء أن تمسك مطرها ، توقّف الطوفان، ورست السفينة على جبل يُسمى "جودي"، وقد نجا كل من كان فيها.
سجد نوح عليه السلام شكرًا لله، وقال الله له:"يا نوح، اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك"وهكذا، بدأت الحياة من جديد على الأرض، مع المؤمنين والطيبين.
وفاة سيدنا نوح
عاش سيدنا نوح أكثر من ٩٥٠ سنة، كلها في الدعوة إلى الله، والعمل الصالح، والصبر العظيم ، وبعد أن أدى رسالته، انتقل إلى رحمة الله، بعد أن أصبح واحدًا من أولي العزم من الرسل، وأبًا ثانيًا للبشرية بعد الطوفان.
الدروس والعبر من قصة سيدنا نوح
- الصبر مفتاح النجاح: ظل نوح يدعو 950 سنة ولم ييأس.
- الدعوة بالحكمة والموعظة: استخدم اللين، والنصح، والدعاء.
- لا تغتر بالعدد: القليل من المؤمنين أفضل من كثير من الضالين.
- الثقة بأمر الله: بنى سفينة في الصحراء لأنه يثق بربه.
- الإيمان لا يُورَث: حتى ابنه لم يؤمن، والإيمان قرار شخصي.
- عقاب الله شديد: الطوفان كان عقابًا لمن أصر على الكفر.
- الرحمة للمؤمنين: الله أنقذ كل من آمن وعصى من كفر.
خاتمة القصة
قصة سيدنا نوح عليه السلام هي قصة الإيمان الحقيقي، والعمل الصالح، والصبر الطويل في سبيل الله ، هي قصة تحمل في طياتها تحذيرًا من الكفر، وبشرى للمؤمنين.
نوح لم يكن مجرد نبي عادي، بل كان رمزًا للعزيمة، والأمل، والإصرار، دعوته لا تزال تُعلّمنا حتى اليوم كيف نتمسك بالحق، ونصبر على الأذى، ونثق بوعد الله دائمًا.