في هذا المقال، نأخذ القارئ في رحلة لفهم أسباب القدم السكرية، أعراضها، مراحل تطورها، مضاعفاتها، وطرق الوقاية منها، مع تسليط الضوء على أهمية الوعي المجتمعي والدور الحيوي للعناية الذاتية والمراقبة الطبية الدورية.

القدم السكرية: العدو الخفي لمرضى السكري
يُعد مرض السكري من أكثر الأمراض المزمنة انتشارًا في العالم، ويؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على مختلف أجهزة الجسم، ومع مرور الوقت وغياب المتابعة الطبية الدقيقة، تظهر مضاعفات عديدة لهذا المرض، ومن أخطرها وأكثرها شيوعًا ما يُعرف بـ "القدم السكرية".
القدم السكرية ليست مجرد تقرحات أو جروح تظهر على القدم، بل هي مشكلة صحية معقدة تتداخل فيها عدة عوامل مرضية كضعف الإحساس، اضطراب التروية الدموية، وتدهور القدرة المناعية للجسم، ما يجعل أي إصابة بسيطة قابلة للتحول إلى حالة خطيرة قد تصل إلى البتر في حال الإهمال أو تأخر العلاج.
ما هي القدم السكرية؟
القدم السكرية هي مصطلح يُطلق على أي تغيرات مرضية تصيب القدم لدى مرضى السكري، سواء كانت هذه التغيرات على شكل التهابات سطحية، تشققات، جروح لا تلتئم، تقرحات، التهابات عميقة تصل إلى العظام، أو حتى موت الأنسجة (الغرغرينا).
تتطور هذه الحالة نتيجة تأثير مرض السكري على الأوعية الدموية والأعصاب الطرفية، ما يؤدي إلى:
- فقدان الإحساس بالألم أو الحرارة نتيجة تلف الأعصاب (الاعتلال العصبي).
- ضعف التروية الدموية بسبب تصلب وضيق الشرايين المغذية للقدم.
- نقص مناعة الجسم وتباطؤ التئام الجروح.
ما يجعل الأمور أكثر سوءًا أن معظم مرضى السكري لا يشعرون بالجروح عند حدوثها، فلا يتم التعامل معها إلا بعد أن تتفاقم، مما يؤدي إلى التهابات مزمنة وتقرحات عميقة يصعب علاجها في بعض الحالات.
الأسباب المؤدية إلى القدم السكرية
هناك عدة أسباب وعوامل خطر تؤدي إلى الإصابة بالقدم السكرية، منها ما هو مباشر، ومنها ما يتراكم بمرور الوقت نتيجة الإهمال، ومنها:
- الاعتلال العصبي السكري (Neuropathy):يؤدي إلى فقدان الإحساس في الأطراف، فلا يشعر المريض بالجروح أو الحرارة أو البرودة ، كما يؤثر على العضلات الصغيرة في القدم، ما يسبب تغيرًا في شكل القدم ويزيد الضغط على أماكن معينة.
- ضعف الدورة الدموية (Peripheral Arterial Disease):يؤدي إلى انخفاض إمدادات الأكسجين والمواد المغذية للأنسجة، ما يبطئ من عملية التئام الجروح.
- العدوى البكتيرية: بسبب ضعف مناعة الجسم، تتفاقم الجروح بسرعة وقد تتحول إلى قرح عميقة أو خُراجات.
- الإصابات الميكانيكية والاحتكاك :مثل الجروح الناتجة عن الأحذية الضيقة أو المشي حافيًا، أو الحروق بسبب استخدام الماء الساخن دون اختبار حرارته.
- ارتفاع السكر المزمن: يعد العامل الرئيسي في تطور المضاعفات، لأنه يضعف الأعصاب، الأوعية الدموية، والجهاز المناعي.
أعراض القدم السكرية
الأعراض المبكرة:
تمر القدم السكرية بمراحل مختلفة تبدأ بسيطة وتصبح معقدة وخطيرة إذا لم تتم معالجتها مبكرًا:
المرحلة الرابعة:
يشمل التشخيص تقييم الأعراض والفحص السريري، بالإضافة إلى مجموعة من الفحوصات مثل:
يُعد العلاج المبكر والفعال عاملًا حاسمًا في إنقاذ القدم ومنع البتر. ويعتمد العلاج على مدى خطورة الحالة، ويشمل:
- تنميل أو وخز أو خدر في القدم.
- ضعف الإحساس بالألم أو اللمس أو الحرارة.
- جفاف شديد وتشقق في جلد القدم.
- تغير لون الأظافر أو الجلد.
- ظهور بثور أو جروح صغيرة لا يشعر بها المريض.
- تقرحات جلدية مفتوحة.
- خروج صديد أو إفرازات من الجرح.
- رائحة كريهة تنبعث من القدم.
- احمرار وتورم وارتفاع درجة حرارة الجلد (دلالة على وجود التهاب).
- اسوداد في بعض المناطق نتيجة موت الأنسجة (الغرغرينا).
- حمى أو ارتفاع حرارة الجسم في حال انتشار العدوى.
مراحل تطور القدم السكرية
تمر القدم السكرية بمراحل مختلفة تبدأ بسيطة وتصبح معقدة وخطيرة إذا لم تتم معالجتها مبكرًا:
- المرحلة الأولى:
- تغيرات حسية وفقدان تدريجي للإحساس.
- جفاف الجلد والتشققات السطحية.
- المرحلة الثانية:
- ظهور تقرحات سطحية غير مؤلمة.
- إصابات ميكانيكية بسبب الأحذية أو الاحتكاك.
- المرحلة الثالثة:
- تطور التقرحات لتصل إلى الأنسجة العميقة.
- احتمال وصول العدوى إلى العظام (Osteomyelitis).
المرحلة الرابعة:
- ظهور غرغرينا إما جافة أو رطبة.
- قد تستلزم البتر لإنقاذ حياة المريض.
تشخيص القدم السكرية
يشمل التشخيص تقييم الأعراض والفحص السريري، بالإضافة إلى مجموعة من الفحوصات مثل:
- الفحص العصبي للقدم: لاختبار الإحساس بالألم، الحرارة، والضغط.
- قياس التروية الدموية: باستخدام جهاز دوبلر لتقييم تدفق الدم.
- فحوصات مخبرية: تشمل تحليل الدم، نسبة السكر، مؤشرات الالتهاب.
- تصوير القدم بالأشعة أو الرنين: لتقييم مدى انتشار العدوى للعظام أو الأنسجة العميقة.
- زراعة البكتيريا: لتحديد نوع العدوى واختيار المضاد الحيوي المناسب.
علاج القدم السكرية
يُعد العلاج المبكر والفعال عاملًا حاسمًا في إنقاذ القدم ومنع البتر. ويعتمد العلاج على مدى خطورة الحالة، ويشمل:
- تنظيف وتضميد الجروح :إزالة الأنسجة الميتة ، استخدام ضمادات خاصة محفزة للشفاء.
- المضادات الحيوية: لعلاج العدوى البكتيرية، تعطى فمويًا أو وريديًا حسب شدة الحالة.
- العلاج الجراحي: استئصال الأنسجة التالفة أو المصابة ، في الحالات المتقدمة، قد يكون البتر الجزئي أو الكلي ضروريًا للحفاظ على حياة المريض.
- العلاج بالأوكسجين المضغوط (HBOT):يُستخدم لتحفيز التئام الجروح وتحسين الأكسجة في الأنسجة المتأثرة.
- التحكم الصارم في مستوى السكر في الدم : يُعتبر أساس نجاح أي خطة علاجية.
الوقاية من القدم السكرية
الوقاية تبدأ من المريض نفسه، وتشمل خطوات بسيطة لكنها ضرورية:
- العناية اليومية بالقدم:
- غسل القدمين يوميًا بالماء الفاتر وتجفيفهما جيدًا.
- تفقد القدمين يوميًا للبحث عن أي جروح أو بثور.
- ترطيب القدمين لمنع الجفاف (مع تجنب وضع الكريم بين الأصابع).
- اختيار الحذاء المناسب : يجب أن يكون واسعًا، مريحًا، ومصنوعًا من مادة ناعمة.
- تجنب الأحذية الضيقة أو ذات الكعب العالي.
- قص الأظافر:بشكل مستقيم، وعدم قص الجوانب لتجنب الأظافر النامية.
- تجنب العوامل الضارة:لا تمشِ حافي القدمين.
- لا تستخدم الماء الساخن مباشرة دون فحص حرارته.
- لا تستخدم أدوات حادة لإزالة الجلد الميت أو الثآليل.
- المتابعة الطبية :زيارة طبيب القدم أو العناية بالقدم السكرية بشكل دوري، حتى دون وجود أعراض.
البُعد النفسي والاجتماعي للقدم السكرية
لا يقتصر تأثير القدم السكرية على الجانب الجسدي فحسب، بل يمتد إلى الجانب النفسي والاجتماعي:
- القلق والاكتئاب نتيجة التقرحات المزمنة أو البتر.
- العزلة الاجتماعية بسبب رائحة القدم أو عدم القدرة على الحركة.
- التكلفة الاقتصادية العالية للعلاج والضمادات والأدوية.
- تأثير مباشر على نوعية الحياة وفقدان القدرة على العمل أو أداء المهام اليومية.
لذلك، من المهم تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمريض وعائلته، إلى جانب الرعاية الطبية.
خاتمة
القدم السكرية ليست قدرًا محتومًا لكل من يعاني من السكري، بل هي نتيجة مباشرة للإهمال وسوء المتابعة، ومع ذلك فإن التوعية المستمرة، والتشخيص المبكر، والعناية الجيدة يمكن أن تحمي المريض من المضاعفات، بل وتجنّبه البتر أو فقدان القدرة على الحركة.
الوقاية تبدأ من المنزل، والعناية تبدأ من نظرة واحدة للقدم يوميًا.