recent
أخبار ساخنة

التوحّد: حين يتحدث العقل بلغة مختلفة والعالم لا يصغي جيدًا

التوحّد أو اضطراب طيف التوحّد (Autism Spectrum Disorder – ASD) هو حالة نمائية عصبية تؤثر على طريقة تفكير الفرد وتفاعله مع الآخرين وتواصله مع البيئة المحيطة به.


التوحّد: حين يتحدث العقل بلغة مختلفة
 التوحّد: حين يتحدث العقل بلغة مختلفة والعالم لا يصغي جيدًا

 ما هو التوحّد حقًا؟


يُسمّى “طيفًا” لأن درجاته تختلف من شخص لآخر، فمنهم من يعاني من صعوبات بسيطة، ومنهم من يحتاج إلى دعم دائم ، لكن أهم ما يجب أن نعيه هو أن التوحّد ليس مرضًا يُعالج، بل طريقة مختلفة لعمل الدماغ.

الطفل أو الشاب المصاب بالتوحّد لا يعيش في “عالم مغلق” كما يُشاع، بل يعيش في عالم مليء بالتفاصيل الدقيقة التي يعجز كثيرون عن ملاحظتها.

 أسرار الدماغ التوحّدي


في العقود الأخيرة، استخدم العلماء تقنيات تصوير الدماغ (مثل الـMRI و fMRI) لدراسة الاختلافات بين أدمغة الأشخاص المصابين بالتوحّد وغيرهم.

فوجدوا أن:هناك زيادة في الاتصال العصبي في بعض المناطق المسؤولة عن التركيز والحفظ ، في المقابل، هناك ضعف في الاتصال بين المناطق المسؤولة عن التواصل الاجتماعي والعاطفي.

الدماغ قد يُعالج المعلومات الحسية (الصوت، الضوء، اللمس) بكثافة أعلى من الطبيعي، مما يجعل المصاب يشعر بالإرهاق من المؤثرات البسيطة التي لا تؤثر علينا.

بمعنى آخر: دماغ المصاب بالتوحّد ليس “أقل” كفاءة، بل يعمل بنظام مختلف — نظام دقيق، صادق، لكنه مرهف جدًا.

 العلامات المبكرة التي يجب الانتباه إليها

يبدأ التوحّد عادة في الظهور بين عمر سنة وسنتين، وأحيانًا تظهر الإشارات قبل ذلك.
ومن أبرزها:
  1. قلة التواصل البصري مع الآخرين.
  2. تأخر في الكلام أو غيابه.
  3. تكرار الحركات مثل التلويح باليدين أو الدوران حول النفس.
  4. الانزعاج الشديد من الأصوات أو اللمس أو التغييرات المفاجئة.
  5. الاهتمام الشديد بموضوع محدد كالأرقام أو القطارات أو ترتيب الأشياء.
ومع ذلك، ليس كل طفل تظهر عليه هذه العلامات يكون مصابًا بالتوحّد.
لذلك من المهم دائمًا استشارة الطبيب المختص أو أخصائي النمو والسلوك للتقييم الدقيق.

التوحّد… ليس عيبًا وراثيًا بل اختلاف جيني

تشير الأبحاث إلى أن نحو 80% من حالات التوحّد مرتبطة بجينات وراثية،لكن الوراثة وحدها لا تكفي لتفسير كل الحالات ، هناك أيضًا عوامل بيئية قد تساهم، مثل:
  • نقص الأكسجين أثناء الولادة.
  • التعرض لمواد كيميائية أو التهابات أثناء الحمل.
  • الولادة المبكرة.
  • التقدم في عمر الوالدين.
ومع ذلك، لا يوجد سبب واحد مؤكد ، بل هو تفاعل معقد بين الجينات والبيئة يجعل الدماغ يتطور بطريقة فريدة.




 الصمت ليس جهلًا… بل لغة أخرى

من أكثر ما يميز الأشخاص المصابين بالتوحّد هو طريقة تواصلهم المختلفة ، بعضهم لا يتحدث أبدًا، لكن هذا لا يعني أنهم لا يفكرون أو لا يشعرون ، العلم أثبت أن الكثير منهم يفهمون اللغة لكنهم يجدون صعوبة في التعبير عنها بالكلمات.

 يتحدث بعض الأطفال عبر الصور أو الكتابة أو الأجهزة اللوحية، وبعضهم يعبر بالرسم أو الموسيقى أو الأنماط.
هؤلاء الأطفال لا يحتاجون إلى “تصحيح”، بل إلى من يصغي إليهم بالطريقة التي تناسبهم.


كيف يرى المصاب بالتوحّد العالم؟


تخيل أن حواسك مضبوطة على أعلى مستوى طوال الوقت ، أن تسمع صوت المروحة وكأنه هدير طائرة، أو أن يزعجك ضوء المصباح كما لو أنه شعاع قوي يخترق عينيك
هكذا يعيش الكثير من الأشخاص المصابين بالتوحّد.

العالم بالنسبة لهم ليس هادئًا كما هو بالنسبة لنا، بل مليء بالتفاصيل المرهقة والمحفزة.
ولهذا يحتاجون إلى الروتين والنظام لأن التكرار يمنحهم الأمان في عالم لا يمكن التنبؤ به.


 كيف يمكن للأسرة أن تكون الجسر نحو عالمهم؟


الأسرة هي الركيزة الأهم في رحلة التوحّد ،الأهل لا يحتاجون أن يكونوا خبراء، بل أن يكونوا متفهمين وصبورين ، بعض النصائح الأساسية للأهل:
  • لا تقارن طفلك بغيره، فكل طفل في طيف التوحّد فريد في قدراته وتطوره.
  • استخدم كلمات بسيطة وصوتًا هادئًا عند التواصل.
  • امدح سلوكياته الجيدة حتى لو كانت صغيرة.
  • احترم خصوصيته وحساسيته من اللمس أو الأصوات العالية.
  • ابحث عن دعم نفسي لك كأب أو أم، لأن الرحلة طويلة وتحتاج إلى طاقة وعزيمة.

 العلاجات والدعم


لا يوجد “علاج نهائي” للتوحّد، لكن هناك برامج وتدخلات فعّالة تساعد على تطوير المهارات.
من أهمها:
  1. العلاج السلوكي التحليلي (ABA): يعلّم الطفل المهارات الاجتماعية واللغوية خطوة بخطوة.
  2. علاج النطق والتخاطب: لتقوية التواصل اللفظي والبديل.
  3. العلاج الوظيفي: لتحسين التناسق الحركي والعادات اليومية.
  4. العلاج بالموسيقى أو الفن: لتفريغ المشاعر بطريقة مريحة.
  5. التدريب الأسري: لأن دعم الأسرة جزء من العلاج نفسه.
  6. كل تدخل مبكر يزيد فرص التطور والاستقلالية بشكل كبير.

 أمثلة من الواقع: حين يتحوّل الاختلاف إلى عبقرية


كثير من العباقرة الذين غيّروا وجه العالم، مثل ألبرت آينشتاين وإسحاق نيوتن وموزارت،
يُعتقد أنهم كانوا على طيف التوحّد ، اليوم أيضًا نرى علماء وفنانين ومبرمجين وموسيقيين من ذوي التوحّد يثبتون أن الاختلاف ليس ضعفًا، بل مصدر إبداع.

فالعقل التوحّدي يرى ما لا يراه الآخرون، ويفكر خارج كل القوالب التقليدية.

نظرة المجتمع… ما بين الجهل والقبول


للأسف، ما زال كثيرون يجهلون معنى التوحّد، فيعاملون الطفل المختلف على أنه “غريب” أو “منعزل” ، لكن الوعي يتزايد يومًا بعد يوم، بفضل التثقيف والمدارس الدامجة والمحتوى العلمي.

المطلوب اليوم هو تحويل الشفقة إلى فهم، والعزلة إلى دمج، والخوف إلى تقبّل.
فكل طفل مصاب بالتوحّد يمكنه أن ينجح ويبدع إذا وجد البيئة التي تحترم اختلافه.


 التوحّد ليس نهاية… بل بداية رؤية مختلفة للعالم


قد يبدو الطريق مع التوحّد صعبًا، لكنه طريق مليء بالحبّ والاكتشاف ، كل كلمة يتعلمها الطفل، كل نظرة عيون جديدة، كل تفاعل بسيط… هو انتصار صغير يستحق الاحتفال.

إنّ التوحّد يعلّمنا أن الإنسان لا يُقاس بقدر ما “يتكلم”، بل بقدر ما يشعر ويبدع ويحبّ.
وأن العالم لا يحتاج لأن يكون متماثلًا، بل أن يكون متفهّمًا.

 الخلاصة

التوحّد ليس عيبًا في الخِلقة، بل لغة جديدة تحتاج منّا أن نتعلّمها ، إنهم لا يعيشون في عزلة كما نعتقد، بل في كونٍ واسع من الأفكار والأحاسيس الصامتة، ينتظرون فقط من يسمعهم دون حكم، ويحتضن اختلافهم دون خوف.

وفي النهاية، ربما يكون السؤال الحقيقي ليس:"كيف نُدخلهم إلى عالمنا؟" بل:"هل نحن مستعدون أن نزور عالمهم ونراه بعيونهم؟"

وهنا يا اصدقاء سوف يتم تابه جز اخر عن المقاله يعبر عن كيف يتعامل الاهل مع طفل التوحد بعنوان"رحلة الأهل مع طفل التوحّد: من الصدمة إلى الفهم الحقيقي"

google-playkhamsatmostaqltradent